آراء

إحداث لقاوة…خطاب البشير وخطة برمة ناصر!!

جاتّيقو أموجا دلمان

(ما لا يقال هو ما يفرق بيننا) – دكتور فرانسيس دينق
(1)
البشير لم يختار مدينة “المجلد” لتدشين حملة مرشحه لمنصب والي جنوب كردفان أحمد هارون في ابريل 2011م، عن فراغ، فهو يريد التمهيد لنقل نموذج دارفور الي جنوب كردفان، بعدما انتهت المهمة بنجاح هناك، وتم تشريد سكان دارفور واستبدالهم بوافدين من افريقيا الوسطي ومالي والنيجر “يدينون بالولاء والطاعة للمركزية الاسلاموعروبية ” بجانب احراق القري الامنة وقتل المدنيين الابرياء واغتصاب النساء ( كل هذه الجرائم مرتبطة تاريخيا بالفتوحات الإسلامية)، وبحسب الفقه الإسلامي هناك بلدين لا ثالث لهما ، دار السلام ( الجغرافية الخاضعة لإحكام الشريعة الاسلامية) ودار الحرب( الجغرافية الخاضعة لإحكام غير المسلمين)، وفقا لفتاوي هيئة علماء السودان وبعد انطلاقة الكفاح المسلح الثوري في “اقاليم الجنوب ، جنوب كردفان ،النيل الازرق ودارفور” تم تنصيف هذه الديار بـ( ديار الحرب)، وأصدرت فتاوي دينية عديدة لقتل سكان هذه الأقاليم واستباحة نسائهم واموالهم ( راجع فتوي تكفير النوبة – ابريل 1992م) وملامح تأسيس الجمهورية الإسلامية الثانية – خطاب البشير العنصري بمدينة القضارف ( فبراير2011م).
(2)
خطابات البشير التحريضية بمدينتي ” المجلد ” و” القضارف” سبقهم كرم فياض من التسليح والدعم المالي دفعت به الخرطوم نحو حلفائها من القبائل العربية بغرض إدارة حرب بالوكالة نيابة عن الخرطوم ريثما تقرر نخب المركز ذلك، ووفقا لتسريبات ” مجموعة الازمات الدولية ” فأن توجيهات صدرت من قبل البشير الي وزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين والذي بدوره وجه رئيس الأركان المشتركة الفريق أول ركن محمد الراضي نصر الدين بتسليح القبائل العربية وكان نصيب قبيلة المسيرية في جنوب كردفان وحدها، هو (1352) كلاش و(37) قرنوف و(8) هاون ، المصدر: (رواجع التسليح المسربة والمنشورة من قبل مجموعة الازمات الدولية).
(3)
ولم تكتفي الخرطوم بهذا التسليح، ووفقا لوثيقة اخري مسربة ” مجموعات الازمات الدولية”- (قرار وزير الدفاع رقم 430) فأن توجيها صدر من رئيس الأركان المشتركة بضرورة الإسراع في إكمال المرتب الحربي التنظيمي للدفاع الشعبي ( قوات الاحتياط الحالية) ويشمل المرتب الحربي الأسلحة والذخائر والمهمات والاليات والمعدات العسكرية، وبالفعل وصلت تعزيزات عسكرية كبيرة وتم ادخال أسلحة وذخائر بكميات ضخمة الي ولاية جنوب كردفان وتم توزيعها الي قوات الدفاع الشعبي ( قوات الاحتياط)، أحد الاسري الذين تم اطلاق سراحهم بواسطة حكومة جنوب السودان قبل أقل من أسبوعين، اقر في محضر التحقيقات بأنهم تم تدريبهم وتسليحهم وتنظيمهم في قوات الدفاع الشعبي قبيل الانتخابات التكميلية لولاية جنوب كردفان 2011م، عن طريق عمدة القبيلة.
(4)
وقبل أن نشير الي خطة اللواء فضل الله برمة ناصر “رئيس حزب الامة الحالي والجنرال المشرف علي عملية إعدام الأستاذ الجليل المفكر الوطني محمود محمد طه واخفاء جثمانه الطاهر”، نطالب مجددا حزب الامة القومي بضرورة الاعتذار العلني عن تأسيس وتسليح (قوات المراحيل) والتي تحولت بعد وصول البشير الي السلطة الي قوات الدفاع الشعبي ولأغراض التمويه والتضليل سمها البرهان بعد ثورة ديسمبر بـ(قوات الاحتياط)، إذا ماهي قوات المراحيل التي أسسها وزير الدفاع في حكومة الامام الصادق المهدي، اللواء فضل الله برمة ناصر؟ وماهي مهامها؟ وعلاقتها بالصراع الاثني الدائر منذ تأسيسها في منطقة جنوب وغرب كردفان؟
(5)
قام اللواء فضل الله برمة ناصر مستغلا سلطاته وصلاحياته كوزير للدفاع بتأسيس قوات شبه عسكرية علي أساس أثني وجغرافي وتدريبها وتسليحها دون وجود أي مهدد أمني للمنطقة وقتها ، فالحرب حينها كانت دائرة في جنوب السودان لم تنتقل الي كردفان، واذا افترضنا جدلا بأن اللواء برمة يخشي انتقال الحرب، فلماذا لم يأسس هذه قوات أيضا في ولايات ( جنوب دارفور، النيل الأزرق والنيل الأبيض) وجميع هذه الولايات لها حدود مع جنوب السودان، ولكن اللواء برمة الذي ولد وتترعي في منطقة لقاوة يريد من تأسيس هذه القوات ، تغيير حقائق الديمغرافية والاثر الثقافي التاريخي للمنطقة، وتأسس واقع جديد ، ولولا وصول قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان دفعات (بلكانو وكوش) نهاية العام 1988م، لنجح برمة في مقاصده وأصبحت منطقة جنوب كردفان / جبال النوبة خالية تماما من السكان الأصليين ” النوبة “، وهذه هي الخطة المتفقة عليها والتي أسس بموجبها قوات المراحيل، وفشل اللواء برمة الا يعني أن أصحاب “الفكرة المجنونة” تخلوا عنها، بل بالعكس السيناريو مستمر.
(6)
وتنحصر مهام قوات المراحيل في انتزاع الأراضي والتضييق على قبائل النوبة وحصرهم علي سفوح الجبال، ومساعدة الائمة والدعاة الذين ترسلهم الخرطوم بغرض إعادة انتاج الانسان النوباوي داخل حقل الثقافة الاسلاموعروبية من خلال استبدال أسماء الأشخاص والامكان والتضاريس الاصلية بأسماء عربية واعتناق الإسلام ( سياسة الاسلمة والتعريب)، بجانب تأمين مسارات الرعي وتهجير المزارعين قسريا منها ، وعلاقة قوات المراحيل بالصراع الاثني بدأت عندما ارادت هذه القوات القيام بالمهام المؤكلة لها، وهنا قاوم شعب النوبة هذا التوجه الجديد الذي يريد أن ينهي علاقة تاريخية طويلة بين النوبة والمسيرية ، مهام قوات المراحيل تبنها نظام البشير من بعد وطبقها علي ارض الواقع، ومازالت الخطة جزء من مهام الاستخبارات العسكرية وأجهزة أمن الخرطوم.
وقبائل المسيرية في حقيقة الامر هم ضحايا أيدولوجيات وطماع النخب وأصحاب الامتيازات التاريخية في المركز.
(7)
ويؤكد أحد أبرز المراجع التاريخية لقبيلة المسيرية في برنامج توثيقي لتلفزيون السودان، أن علاقة المسيرية بمنطقة جبال النوبة، بدأت عندما منحهم سلطان الداجو تالو دينقا، أراضي بمنطقة المجلد، وحتى الان معروفة منطقة المجلد بـ(دينقا ام الديار).
اقتباس بسيط من حديث المرجع التاريخي نذكره هنا لأغراض التوثيق: ((وصول الجالية الاولي من المسيرية كان في العام 1817، وجابهم ” تور” بتاع أحد اجداد المسيرية الحمر اسمه حميدان أبو هزلة، التور كان بشرد وبمشي جنوب وعندما يأتي يكون بصحة جيدة لذلك تم تتبع التور في ” الرشاش” من قبل مجموعة من الاهل على رأسهم صاحب التور، حتى منطقة المجلد الحالية ووجدوا سكانها هم النوبة الداجو والشات، والمنطقة كانت بها اراضي خصبة، والسلطان دينقا منحهم الأرض.
اما الجالية الثانية وصلت في العام 1825م بقيادة الناظر قادم فؤاد ” أحد اجداد المسيرية الزرق” واستقروا جنوب المجلد في منطقة ” أبو اجبر ” ولكن بسبب الصراعات بين المسيرية الحمر والزرق، قرر المسيرية الزرق التوجه جنوبا واستقروا شمال منطقة لقاوة الحالية وفي العام 1940 قام المفتش الإنجليزي بأنشاء مركز ريفي المسيرية ورئاسته في ” الفولة “)) – انتهي الاقتباس.
(8)
من خلال حديث المرجع التاريخي لقبيلة المسيرية، يمكن القول بان علاقة المسيرية بالنوبة في أساسها بدأت بشكل ودي وسلمي مثلها وكل علاقات الشعوب في العالم والتي تطورت وأسست لهذه الدول العظيمة والمتحضرة التي تسمي الان اروبا وامريكا، ولكن من هو المستفيد من صراع المسيرية والنوبة؟ وما هو عدو النوبة والمسيرية المشترك؟ ولماذا لا يتم التركيز على هذا العدو المشترك؟ وماهي اوجه الشبه بين الصراعات الاثنية في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور؟ وكيف ننهي هذه الصراعات الدامية ؟ وكيف نأسس لكتلة تاريخية تقودنا نحو الأفضل؟، هذه الأسئلة وغيرها مفتوحة للنقاش…ولنا عودة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى