أخبار

«حميدتي» بعد عودته من دارفور: كنت رافضا لمقترح تكوين مجلس الأمن والدفاع

الخرطوم ـ «القدس العربي»: قال نائب رئيس المجلس السيادي السوداني، محمد حمدان دقلو «حميدتي» الأربعاء، إنه لم يشارك في عملية التشاور التي أفضت إلى قرار المكون العسكري الخروج من العملية السياسية في البلاد، وتكوين مجلس للأمن والدفاع، والذي أعلنه القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، ولكنه وافق بعد تلقيه اتصالا هاتفيا من شركائه في المجلس.
وبعد عدة أسابيع قضاها في إقليم دارفور، غرب السودان، عاد «حميدتي» إلى العاصمة الخرطوم، مؤكدا أن الهدف الرئيسي للزيارة كان العمل على المصالحات الاجتماعية، وإعادة الاستقرار والأمن للإقليم، في وقت أشارت فيه تقارير محلية إلى أنه سافر إلى دارفور على خلفية خلافات مع البرهان.
وقال «حميدتي» خلال مؤتمر صحافي، في مطار الخرطوم، إنه كان رافضا لمقترح تكوين مجلس للأمن والدفاع، مؤكدا أن ذلك كان مطلب المجلس المركزي للحرية والتغيير.
وأشار إلى تلقيه اتصالا من شركائه في المجلس العسكري أثناء وجوده في دارفور علم خلاله بتوافقهم على الخروج من العملية السياسية وتكوين مجلس للأمن والدفاع، وأنه وافق على القرارات، وطالبهم بعدم التراجع.
وأضاف: لم أشارك في أي شيء، ولكننا غير متمسكين بالسلطة، ونريد أن تخرج البلاد إلى بر الأمان.
وفي رده على أسئلة الصحافيين حول خطوات تكوين حكومة تصريف أعمال، قال إنه لا علم له بهذا الخصوص، لأنه كان خارج الخرطوم، متمنيا أن يتوافق المدنيون على حكومة، مستدركا» لكنهم لن يتوافقوا على أي شيء، على الرغم من طلبهم خروج العسكر من السلطة».
وأكمل: «لا أعرف لماذا تم استنكار بياني في 23 يوليو/ تموز الماضي، على الرغم من أنني أمنت فقط على كلام الرئيس» مؤكدا أنه أصدر البيان بعد أخذ الإذن من البرهان، بعد ترويج البعض أنه ضد الانتقال السياسي في البلاد.
وفي 4 يوليو/ حزيران الماضي، أعلن البرهان خروج العسكر من العملية السياسية التي تيسرها الآلية الثلاثية المشتركة المكونة من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان(يونيتامس) والاتحاد الأفريقي وإيغاد، مطالبا المدنيين بالتوافق على حكومة مدنية تدير البلاد وصولا للانتخابات.
وقرر حل المجلس السيادي وتكوين مجلس للأمن والدفاع عقب تكوين الحكومة، قال إنه سيكون معنيا بمهام الأمن والدفاع ومهام أخرى يتوافق حولها مع الحكومة المدنية.
وبعدها بيومين، أعفى البرهان الأعضاء المدنيين الخمسة في المجلس السيادي، بينما أبقى على القادة العسكريين الأربعة وثلاثة ممثلين للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام.
ولاحقا، بعد ثلاثة أسابيع من خطاب البرهان، وبعد انتشار أنباء حول خلافات بينه وبين قائد الجيش، أكد «حميدتي» في بيان أن قرارات البرهان الأخيرة جاءت بتنسيق معه.
وقال إنهما عملا سويا على صياغتها، وعبر تشاور مستمر، وبروح الفريق الواحد، وبنية صادقة لتوفير حلول للأزمة في البلاد مهما كلفهم ذلك من تنازلات.
وأكد أن العسكر لن يتمسكوا بالسلطة وسيتركونها للمدنيين، وأنهم سيتفرغون لأداء مهامهم القوات النظامية التي نص عليها الدستور السوداني.
وأضاف، في بيان، أن السلطة العسكرية لن تتمسك بسلطة تؤدي إلى إراقة دماء المدنيين، مؤكدا صدق نواياهم في ترك السلطة للمدنيين.
وطالب من وصفهم بـ «الوطنيين والشرفاء بالتكاتف والانتباه للمشاكل التي تواجه البلاد والوصول لحلول سياسية عاجلة والتوافق على حكومة مدنية تدير شؤون البلاد».
وأضاف: لقد حان وقت تحكيم صوت العقل، ونبذ كل أشكال الصراع غير المجدي، والذي لن يربح فيه أحد غير أعداء الوطن ومن يتربصون به شرا.

«لم يحقق أهدافه»

وعلى الرغم من مشاركته في الانقلاب العسكري الذي يمضي نحو شهره التاسع، إلا أن «حميدتي» وصفه في حوار مع هيئة البث البريطانية، مطلع الشهر الحالي، بـ«الفاشل» مؤكدا أنه فاقم الأوضاع الاقتصادية والأمنية في السودان.
وقال إن الانقلاب «لم يحقق أهدافه» لأسباب رفض الإفصاح عنها، مؤكدا أنه لا يملك طموحا سياسيا، وأنه ربما يتدخل لإنقاذ السودان، مشيرا إلى الأزمة السياسية في البلاد.
وفي السياق، قال المحلل السياسي عبد الله رزق لـ«القدس العربي» إنه من غير الطبيعي وفق بنية السلطة العسكرية، وطبيعة الانقلاب، الذي يكرس لسلطة الفرد، أن يصدر بيان مستقل من النائب للتعقيب على قرارات قائد الانقلاب، مشيرا إلى أن الوضع الطبيعي أن يكون موقف البرهان ملزما للجميع.

ليسا فريقا واحدا

ورأى أن إصدار كل من البرهان و«حميدتي» بيانات مستقلة يعني أنهما لا يعملان كفريق واحد، ومؤشر لوجود خلافات بينهما، مرجحا أن يكون البرهان اتخذ قرارات 4 يوليو/ تموز لوحده، وإن «حميدتي» في الغالب وافق بعد ضغوط خارجية، أجبرته على إصدار بيان يوضح فيه دعمه للانتقال السياسي في البلاد.
وأضاف: لأول مرة يعلن «حميدتي» موافقته على دمج قواته في الجيش، الأمر الذي كان يرفضه في وقت سابق، معتبرا ذلك مؤشرا آخر على الضغوط التي يواجهها، والتي جعلته يعتزل مركز العمل القيادي في الخرطوم وينأى بنفسه في دارفور لأسابيع.

قال إن هدف زيارته العمل على المصالحات الاجتماعية وإعادة الاستقرار

ولفت إلى أن «حميدتي» غادر الخرطوم قبل تظاهرات 30 يونيو/ حزيران، حتى لا يتحمل تبعات القمع العنيف للتظاهرة، التي قتل خلالها 9 متظاهرين برصاص قوات الأمن، خاصة وأن قواته متهمة بالمشاركة في قتل أكثر من 100 متظاهر منذ بداية الانقلاب العسكري، فضلا عن قتل المئات في دارفور.
وأضاف: «حميدتي» خلال حواره مع هيئة البث البريطانية، أقر بفشل الانقلاب الأمر الذي قد يقرأ في إطار محاولته القفز من سفينة انقلاب البرهان الغارقة، كما قفز من قبل في اللحظات الأخيرة من عمر نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.
واعتبر حديث «حميدتي» عن أنه لا يرغب في السلطة ولكنه قد يعمل على إنقاذ السودان حال انهياره «دليلا على توجهه الانقلابي ومساعيه للبقاء في السلطة وأفكاره المعادية للديمقراطية وليس العكس».
وتابع: «ليس جديرا بمسؤول في السلطة، شارك في انقلاب عسكري على حكومة انتقالية بحجة التصحيح، أن يتنصل من مسؤولية الانهيار الراهن في البلاد، والذي يتحمل مسؤوليته مع البرهان على حد سواء».
أما المحلل السياسي حاج حمد، فيعتبر أن البرهان و«حميدتي» شركاء في انقلاب لا يمكن لأي منهما التنصل من تداعيات فشله الراهنة.

مأزق الانقلاب

وقال لـ«القدس العربي»: «على الرغم من أن البرهان وحميدتي يجمعهما مأزق الانقلاب، إلا أن مصالحهما متضاربة جدا، لجهة أن أحدهما يقول إنه قائد عام لمؤسسة عسكرية وطنية تعج بكل التيارات الوطنية، بينما يقود الآخر ميليشيات، ومعلوم أن عمل الميليشيات بطبيعة الحال لا يتسق مع عمل الجيش.
وأضاف: أن هذا التناقض بدا واضحا من مواقف «حميدتي» ومحاولاته لصنع حواضن اجتماعية يعتقد أنها تجعله شخصية جماهيرية وميله نحو التبعية لمحاور الخارجية بشكل غير متوازن، بينما لا يستطيع البرهان الخروج عن طريقة المؤسسة العسكرية التي تتطلب مواقف محافظة.
ولفت إلى أن البرهان لن يستطيع بطبيعة الحال، السماح بأن يكون الجيش تابعا لمحور خارجي، ربما يستخدم ميليشيات «حميدتي» في صراعاته في المنطقة.
وتابع «التناقضات الثانوية حسب التاريخ، كانت ذات تبعات أكثر دموية من التناقضات الرئيسية».
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين، مصعب محمد علي، استبعد وجود خلافات بين البرهان و«حميدتي».
وقال لـ «القدس العربي» إن تصريحات «حميدتي» تقرأ في سياق ابتعاد العسكر عن المشاركة في الحوار السياسي» مستبعدا أن تكون مؤشرا لخلاف بينه وبين البرهان.
ورأى أن تصريحات «حميدتي» يمكن اعتبارها تراجعاً أو إعادة للنظر في القرارات التي اتخذت في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مرجحا أن تكون زيارته الطويلة لدارفور لدواعي حسم الصراعات القبلية التي نشبت مؤخراً في الولاية، والعمل على صناعة حواضن اجتماعية تحضيرا للمشاركة في الانتخابات.
وأضاف: يمكن القول أن «حميدتي» بدأ في الاستعداد مبكراً للدخول في السباق الانتخابي، متوقعا أن يقوم بترشيح نفسه حال قيام انتخابات.
وتابع: أنه ربما تكون مواقف «حميدتي» الأخيرة ضمن ترتيبات لمرحلة مقبلة يتوقع أن يلعب خلالها دورا خاصة و\أنه أشار إلى ضرورة التوافق لتكوين حكومة مستقلة.
ورجح أن مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش لن تكون أولوية في الفترة المقبلة إلا في ظل إصلاح شامل للجيش، وترتيبات شاملة تتعلق بالجيوش المتعددة في السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى