أفريقيا

عودة القوات الأميركية إلى الصومال: الواقع أكثر سوءا مما تركته

مقديشو – تشكل عودة القوات الأميركية إلى الصومال المنفلت أمنيا تفعيلا للاستراتيجية الأميركية لمحاربة الإرهاب، التي تخلى عنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلا أن محللين يؤكدون أن الوضع الأمني أصبح أكثر سوءا مما تركته، وعليها التعامل مع الأمر من نقطة البداية قبل خمس سنوات.

وأعطى تراجع العمليات العسكرية في السنوات الخمس الماضية حركة الشباب الإسلامية المصنفة إرهابية من قبل واشنطن، فرصة لاستعادة معنويات مقاتليها من خلال تنفيذ هجمات دامية ضد معاقل للقوات الأفريقية (المنتشرة منذ 2007 وقوامها حاليا نحو 4500 جندي في قوة أتميس) والصومالية جنوب البلاد ووسطها.

ومنتصف مايو الماضي، وقع الرئيس الأميركي جو بايدن على إعادة انتشار قوات من بلاده (لم يحدد عددها) في الصومال، متراجعا عن قرار سلفه ترامب الذي أمر بسحبها (نحو 700 جندي) في ديسمبر 2020.

وطلبت وزارة الدفاع الأميركية هذا الانتشار لدعم القتال ضد حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة. ولقي قرار بايدن ترحيبا كبيرا من قبل رئيس الصومال الجديد حسن شيخ محمود، الذي بذل جهودا كبيرة خلال ولايته السابقة لدحر حركة الشباب وتحرير أكثر من 39 مدينة جنوب البلاد ووسطها.

مقاتلو حركة الشباب تحولوا في الأشهر الأخيرة من نمط دفاعي إلى هجومي مستغلين تراجع العمليات العسكرية وسحب الوحدات الأميركية من الصومال

وقال شيخ محمود في تغريدة مقتضبة على تويتر “لطالما كانت الولايات المتحدة شريكا موثوقا به، في سعينا لتحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب”. وفي الثالث والعشرين من مايو الماضي، تسلم شيخ محمود مهامه رسميا لولاية تستمر أربع سنوات للمرة الثانية، بعدما ترأس البلاد بين عامي 2012 و2017.

ويقول المحلل السياسي الصومالي أحمد عينب “بحكم اختلاف الرؤى السياسية بين الحزبين: الجمهوري والديمقراطي الأميركيين، يتغير تعامل واشنطن مع المشاكل السياسية والاقتصادية في العالم، ما أظهر ضعفا للشراكة الاستراتيجية بينها وبين مقديشو في السنوات الماضية”.

ويضيف عينب أن الصومال “فقد في السنوات الماضية شراكته مع واشنطن والمبنية على التعاون العسكري والاقتصادي، بفعل سياسات الرئيس الأميركي السابق ترامب (جمهوري)، لكن رسائل بايدن (ديمقراطي) الأخيرة، وقرار إعادة نشر القوات الأميركية في الصومال، ستعطي دفعة للشراكة بين البلدين في شتى المجالات”.

وحول تزامن عودة تلك القوات مع انتخاب الرئيس الجديد، قال عينب “مع صعود إدارة جديدة للحكم تتشكل التحالفات، هذا ليس أمرا غريبا في العلاقات السياسية، لكن علينا إدراك أن كل خطوة أميركية تجاه الصومال تأتي في إطار محور الجيوسياسي لحماية مصالحها في البلاد أو في المنطقة برمتها، نظرا لموقع الصومال الاستراتيجي”.

وساهمت الولايات المتحدة قبل قرار ترامب بدعم جهود قوة حفظ السلام الأفريقية انطلاقا من مصالحها في إيجاد بيئة آمنة ومستقرة في المنطقة، لضمان حرية الملاحة البحرية الآمنة من تهديدات تلك الجماعات، ومجموعات القرصنة البحرية التي شهدت نشاطات واسعة قبل نشر الولايات المتحدة ودول أوروبية وخليجية وأفريقية قوات بحرية.

وأوضح عينب أن واشنطن ستعمل في السنوات المقبلة على “زيادة تعاونها مع الرئيس الحالي شيخ محمود، الذي تنتظره ملفات أمنية واقتصادية، وكونه يطمح لتنفيذ وعوده بدحر الإرهاب وتفعيل عجلة الاقتصاد لاستكمال طريق الصومال نحو تخفيف الديون”.

غراف

ورأى أن “من مصلحة الولايات المتحدة أيضا توثيق العلاقات مع الصومال في ظل تغلغل التنين الصيني في منطقة القرن الأفريقي”. وعقب وصول إدارة جديدة إلى الحكم في الصومال تتشكل التحالفات معها سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، من أجل إيجاد موطئ قدم في هذه المنطقة الاستراتيجية التي عانت من صراعات داخلية ومشاكل الإرهاب طيلة العقود الماضية، وهو ما أثر سلبا على استقرارها.

ويتوقع محللون أمنيون صوماليون أن إعادة انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود للمرة الثانية للجلوس على كرسي الرئاسة “ستساهم بعودة التنسيق الأمني بين القوات المشتركة والوحدات الأميركية التي ستنشر في قاعدة بلدوكلي بإقليم شبيلي السفلي جنوبي البلاد، بعد خمس سنوات من ضعف في التنسيق الأمني ضد الإرهابيين”.

وقال نائب رئيس الأركان السابق محمد علي بريسي إن “ضعف التنسيق الأمني بين مختلف المؤسسات الأمنية في السنوات الماضية، أثّر بشكل سلبي على العمليات الأمنية ضد مقاتلي الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة”.

وأضاف بريسي “في ظل تراجع العمليات العسكرية عززت حركة الشباب نفوذها في الأقاليم الجنوبية، وبالأخص إقليمي شبيلي السفلي والوسطي، ما سمح لها بتفعيل نظام ضريبي تجني من خلاله أموالا طائلة، تمكنها من توسيع نفوذها من جديد”.

الولايات المتحدة ساهمت قبل قرار ترامب بدعم جهود قوة حفظ السلام الأفريقية انطلاقا من مصالحها في إيجاد بيئة آمنة ومستقرة في المنطقة

وقدرت الأمم المتحدة مؤخرا الإيرادات التي تكتسبها حركة الشباب من خلال نظامها الضريبي بـ10 ملايين دولار شهريا، وهي موازنة مالية ضخمة قد تساهم في تعزيز هجماتها الإرهابية ضد المراكز العسكرية والمنشآت الحكومية والمدنية في البلاد.

وتحول مقاتلو حركة الشباب في الأشهر الأخيرة من نمط دفاعي إلى هجومي، مستغلين تراجع العمليات العسكرية وسحب الوحدات الأميركية من الصومال، ونفذوا هجمات دامية جنوب البلاد ووسطها.

وكان من أشد تلك الهجمات، الهجومان الانتحاريان في مدينة بلدوين اللذان تسببا في مقتل نحو 48 شخصا، بينهم نائبة صومالية، إلى جانب الهجوم الانتحاري في بلدة “عيل برف” الذي استهدف معقلا للقوات البروندية العاملة تحت مظلة القوات الأفريقية في الصومال، وتسبب في مقتل أكثر من 20 جنديا.

ويقول المحلل السياسي ورئيس حزب “هلدور” الصومالي عبدالقادر عثمان إن عودة الوحدات الأميركية إلى الصومال “تشكل فرصة للحد من الهجمات ضد المراكز العسكرية والمنشآت الحكومية”.

ومنذ تنصيب بايدن رئيسا للولايات المتحدة في العشرين من يناير 2021، اقتصرت الضربات الجوية الأميركية على تلك التي تهدف إلى الدفاع عن قوات شريكة تواجه تهديدا مباشرا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى